فن الإصغاء…
   فن الإصغاء
نحن نعيش في زمن يتحدث فيه الجميع، لكن قلّما يصغي أحد. الأصوات كثيرة، والرسائل متدفقة، حتى صرنا نخلط بين السماع والإصغاء. السماع فعل جسدي، أما الإصغاء فهو فعل روحي، يتطلّب حضور القلب قبل الأذن.
أن تُصغي يعني أن تمنح الآخر مساحته ليكشف عمقه، دون استعجال للحكم أو الرد. الإصغاء ليس مجاملة، بل مشاركة صامتة تقول: (((أنا أراك، أنا أفهمك)). في هذه المساحة تتفتح الكلمات وتنكشف النوايا،فتفهم ليس مجرد محتوى يُنطق، بل شعور يُعاش. لذلك استمع للشخص الذي معك بكل حواسك: لطرق كلامه، لثغرات صمته، لنبض صوته، لكي تدرك ما يريد أن يوصله لك فعلاً، ولتصل إلى عمقه حيث تكمن الحقيقة أحياناً بين سطرين لا يُقالان ..
الفلسفة هنا ليست نظرية، بل ممارسة يومية. أن تُصغي لذاتك حين تتكلم بصوت خافت، أن تُصغي للطبيعة من حولك، أن تترك العالم يهمس لك بدل أن تصرخ فوق ضجيجه.
وحين نتقن الإصغاء، نكتشف أن الكلمات لم تكن يومًا كل شيء. هناك ما يُفهم بالعين، وما يُدرك بالصمت، وما لا يقال أبدًا لكنه يُعاش. ومن يصغي حقًا يصبح حاضنًا للحقيقة، ليس لأنه يعرف كل شيء، بل لأنه يسمح للآخر بأن يكون حاضراً في ذاته…
تعليقات
إرسال تعليق